الشخصية الهزلية
- من مقالات الدكتور إياد قنيبى :
" الشخصية الهزلية "
أصبح كثير من المسلمين صاحب شخصية هزلية ، تحاول استخراج الدعابة من كل شئ ، وتنكت على كل شئ ، ولا تحترم ما ينبغي احترامه ، بل تحوله إلى موضوع هزل ، وتنفر من الجدية ، وتعتبر من يدعوها إلى شئ من الجدية والوقار إنساناً " نَكِدَاً " !
إنها الشخصية التي ربتها -عبر السنين- ثقافة "مدرسة المشاغبين" والمسرحيات والمسلسلات الكوميدية !
شخصية لا تصبر على تصنع الجدية ولا حتى في "بيوت العزاء" !
شخصية تَفِرُّ من واقعها الأليم إلى دعابة سمجة ممجوجة لتروح عن نفسها بدلا من إصلاح واقعها ! بل وتجعل من هذا الواقع الأليم نفسه مادة للتنكيت أيضاً !! وتجعل من ظلم الحكام المفسدين وأعوانهم أيضاً مادة للتنكيت ، فتنفس عن الشعور بالقهر والغضب تنفيسا سخيفا لا ينفع ، بدلا من تحويله إلى طاقة دافعة للتغيير ، وهمٍّ يرفع الهمة عن السفاسف .
لذا ، لا تعجب حين ترى رئيساً أو ملكاً أو وزيراً يُكرِّم كاتبا ينكت على الحكومة ، أو رسـاماً صــاحب كاريكاتيرات تسخر من الواقع ! فأية منفعة للظلمة أعظم من أن تجعل الناس يهانون ويُظلمون ثم يضحكون على الإهانة والظلم !
الشخصية الهزلية ، يصل أصحابها إلى مرحلةٍ لا يستمتعون بهذا التنكيت والهزل ، بل ويتسبب لهم هذا الهزل بمشاكل وخصومات وضغائن وسوء فهم ، وضياع هيبة وفقدان احترام ، ومع ذلك يبقون يهزلون ويعبثون ! لقد وصلوا إلى مرحلة الإدمان التي يخاف المرء فيها أن يترك عادة اعتادها مع أنها ما عادت تسعده ، وكأنهم نسوا طريق الجدية فما عادوا يفكرون أن يسلكوها !
الشخصية الهزلية ، لا تقدس شيئا حق التقديس، ولا تعظمه حق التعظيم . فقد انسحبت الهزلية على كل شئ في حسها .
هذا أصل مشكلة الذين يمزحون بآيات من كتاب الله تعالى ، أو بألفاظ شرعية ، أو بالحديث عن الرسل أو الملائكة عليهم السلام أو الصحابة ... هم لا يستهزئون ، لكنهم أيضا لا يعظمون ما ينبغي تعظيمه حق التعظيم ولا يوقرونه حق التوقير ، حتى وصلوا إلى مرحلة يرون من يدعوهم إلى ذلك متشددا نكداً !
ولعل هذا يعيننا على فهم ذم سلفنا الصالح لكثرة المزاح، حتى لا تنقلب الشخصيات إلى شخصيات هزلية خاوية حزينة في داخلها ، فبدلا من أن تسعد بتغيير الواقع وهداية الناس ، تصطنع هزلا تافها يمتد شيئا فشيئا لينال من دينها فيوبق دنياها وآخرتها .
تعليقات
إرسال تعليق